Posts Tagged ‘سوريا’

أطفال حمص

على مر السنوات الفائتة في حمص تَربَّى جيل من صغار الأطفال على أصداء الرصاص ودويّ مصطلحات الحصار والحواجز والقذائف والاعتقالات والقنص والدمار والشبيحة؛ كلمات قليلة بوقعٍ كبير باتت تشكل ذاكرةً لطفولة جيلٍ كامل.

الهدوء النسبيّ الذي تعيشه ما تبقّى من الأحياء المأهولة في حُمص لم يُغيّر من حقيقة الآثار النفسيّة التي خلّفتها الفترات المشتعلة السابقة، هذا ما تؤكده سهام، وهي معلّمة في إحدى المدارس الابتدائيّة، ”أمارس التدريس منذ 20 عامًا، لذا أستطيع القول بأنّ جيلَ الأطفال باتَ يفتقد للتركيز والانتباه بنسبة كبيرة، فمظاهر التوتر والانطواء وصعوبات النطق والكلام وقضم الأظافر والتبوّل اللاإراديّ والتنمّر والشجار العنيف بين الأطفال بات ملحوظًا بشكل أكبر”.

وتبدو تلك المظاهر طبيعيّةً قياسًا لما تقاسيه طفولتهم المسلوبة وسط الظروف الصعبة، فَوفق استطلاع بسيط يستطيع أيّ شخص أن يلاحظ الحصار الذي يُمارَس على حقوق الأطفال من اللعب والحركة والأماكن المفتوحة والمساحات الخاصة، فلا يكاد يخلو بيت في حمص من اجتماع أكثر من عائلة في بيت واحد، بعد تهدّم النسبة الأكبر من أحياء المدينة وتهجير أهلها بشكل قسريّ، الأمر الذي لم يسمح لهم بالعودة حتّى الآن، سوى في استثناءات محدودة ضمن منطقة حمص القديمة.

نورة، متطوّعة في إحدى فرق الدعم النفسي التي تجوب المناطق المختلفة بحمص. تقول الشابة “ثمّة حاجة كبيرة للوصول إلى كلّ بيت وكلّ طفل لمساعدتهم على تجاوز هذه الظروف العصيبة، معظم الأطفال يعيشون وكأنّهم بمعزل عن الحياة بأكملها، لا يعرفون شيئًا عن الطبيعة والحيوانات وكلّ ما يمكن للإنسان أنْ يستمتع باكتشافه.. حين طلبنا منهم رسم الغابة أو البحر كانت النتيجة بأن أحدًا لم يرسم، الصور التي تمرّ عليهم في التلفاز لم تساعدهم على تصوّر الأشكال، حتّى حكايات الأطفال تبدو كقصص الخيال العلميّ بالنسبة لهم، كلّ من لم يتجاوز العشر سنوات لا يحمل في ذاكرته سوى ما يرافق قبح الحرب وغَصّة من حوله”.

ولعلّ من المعاناة التي يواجهها أطفال سوريا عمومًا عدم قدرتهم على استيعاب ما يجري، وعدم القدرة على التعبير عن الكثير من المشاعر الدفينة التي يولّدها الخوف والقلق، تلك المشاعر التي تبقى آثارها وتظهر بأشكال مختلفة في مراحل أعمارهم المختلفة.

ويعاني الأهل مع هذه المشكلة مصاعب كثيرة إزاء الأسئلة التي تدور في أذهان أطفالهم، وإزاء مسؤولياتهم تجاه طمأنتهم وتحويل فكرهم عن الحدث الراهن، بدمويته وبؤسه، وما يترتّب عليه من معاناة.

إلا أنّ الثورة وما تلاها من حرب خلفت تصدّعًا متفاوتًا في بنية الأسرة، فالطفل الذي نجا والده من الاعتقال أو الخطف أو الموت لم يَنجُ من فقدانه مؤقتًا أو مؤبدًا عبر الهجرة، التي باتت العنوان الأبرز لهذه المرحلة بين من يخاف سَوْقه للخدمة العسكرية كفرد احتياط، حتى بعد مرور سنوات طويلة على أدائها، وبين من لم يعد قادرًا على تدبر أمر أسرته في ظل ظروف لم تعد تساعده على إعالتهم، فبات الكثير من الأطفال يعيشون برفقة أمهاتهم ريثما يتمكن الأب بعد إجراءات طويلة ومخاطر كبيرة من لم شملهم، إلّا أنّ ذلك يبدو بالأمر الهين قياسًا بما تقوم به أعداد لا بأس بها من الأسر، إذ باتت ترسل الطفل عبر طرق التهريب الخطرة نحو أوروبا وحده، دون أحد من أسرته، بالاتفاق مع مجموعات المهاجرين وشبكات المهربين بغية وصوله لدول اللجوء، التي تساعد قوانينها على أن يقوم الطفل بلم شمل أسرته بشكل أسرع وأضمن، بعد ادعاء من معه أنّهم وجدوه ضائعًا عن أهله في طريقهم.

مازن، شاب لاجئ في السويد، يخبرنا عن جاره الصغير البالغ من العمر 11 عامًا، والذي رافقهم في طريق خطر من حمص إلى تركيا وعبر البحر إلى السويد، في مسير مضن وظروف صعبة، ”لا أعرف كيف يُلقي الأهل طفلهم وحده في هذا الطريق، حتّى لو كان هنالك من يعرفونه ضمن مجموعة المهاجرين.. في أيّ لحظة كان ليترك وحده إن لم يستطع إكمال المشي وسط الغابات، حملته لساعات طويلة على ظهري، ظروف عائلته صعبة لكنّني أشكّ أنّه سيسامحهم يومًا على إلقائه في تلك المغامرة”.

لم يقتصرْ استغلال الأطفال على المقامرة بهم فوق خرائط العالم، بل إنّ القاطن في حُمص يلاحظ ازدياد نسبة عمالة الأطفال نتيجة ظروف تزجّ بهم في سوق العمل بشكلّ مبكر. عمر، طفل في الثالثة عشر من عمره، ترك مدرسته منذ عام، يقول إنه يتمنى لو أنه أكمل دراسته، “لكنّني المعيل الوحيد لوالدتي وأختيّ الصغيرتين.. أخي ترك البلاد نحو تركيا بعد استدعائه للخدمة العسكرية وبالكاد يستطيع تأمين قوت يومه، وأبي توفي إثر قذيفة سقطت فوق بسطة الخضار التي يبيعها. أعمل الآن في ورشة لتصليح السيارات، وأتعرّض للكثير من التوبيخ والضرب، يقولون لي ذلك شيء طبيعي في هذه المهنة، لكنّني لم أعتد عليه بعد”.

لسان حال أهل حُمص يقول “كنّا نودّ أنْ ننشئ الأجيال الصغيرة على الكرامة والحريّة، لكنّنا خذلنا إلى الحد الذي جعل الأطفال عوضًا عن ذلك يتشرّبون ثقافة المعونة والأكياس الممهورة بختم الأمم المتحدة، في مكان كلّ شيء فيه ممهور بأختام الأمم المتحدة من أكياس الغذاء والمؤونة إلى الشمسيّات التي تظلل عناصر حواجز الجيش”.

التحديّ الأبرز يبقى في العمل ومعاودة الأمل، كي يتمكن الأطفال من تجاوز مشاهد الموت المختزنة في أذهانهم، فكلنا يعلم أنّ الآثار النفسيّة لما جرى لن تنتهِ بمجرد عبور مرحلة الطفولة، بل يشكل كلّ ذلك قيمًا ورؤى ونظرة كاملة للطفل تجاه الحياة على مرّ عمره، دون أنْ ننسى أنّ باستطاعة الورود أنْ تنبت في أشدِّ الصحارى جفافًا وأكثر الأراضي تشققًا، بانتظار أمطار تحمل إرهاصات انتصار.

كُتبَ هذا التقرير لعنب بلدي في العدد 193

شتاء حمصيمرّ شتاء هذا العام قاسيًا على أهل حمص، كحال معظم سكان سوريا، فمن شحّ الوقود بكافةِ أشكاله إلى غيابٍ شبه دائم للتيار الكهربائيّ، يرزح السّكان تحت وطأة برد الشتاء كإضافة جديدة للويلات التي يتعرّضون لها بشكل يوميّ.

سناء، ربّة منزل، تقول لعنب بلدي «أقاوم إحساسي المستمر بالبرد، لكنْ ما يضعفني بحقّ هو رؤية أجساد أطفالي ترتجف من البرد، فلا قدرة لنا على شراء المازوت، وحتّى طهو الطعام بات كابوسًا بعد انقطاع الغاز وغياب التيار الكهربائي، الذي لا يأتي إلّا لفترات صغيرة ومتقطّعة أحاول فيها طهو ما أمكن من الطعام»

ولم تقتصر معاناة الناس على غلاء أسعار المازوت، بل في عدم بيعه من الأساس في كثير من المناطق، وبيعه في بقية المناطق بما لا يتجاوز 100 ليتر لكل منزل، بعد انتظار طويل يرافقه تقديم وثائق ملكيّة أو الإقامة في المنزل مع البطاقة العائلية والبطاقة الشخصيّة لأفراد المنزل أو استخراج دفتر يتم توزيعه لسكان بعض الأحياء.

وقد امتدّتْ الأزمة لتشمل شح الغاز في المدينة، حسب ما يؤكد جمال، وهو موظف حكومي «في كل أسبوع أتغيّب يومًا عن العمل بسبب أزمة الغاز، لقد بات الحصول على جرّة غاز من أحلامنا اليوميّة، فكلّما سمعنا أنّ هنالك سيارة أتَتْ لبيعه يتجمّع الناس بالطوابير ويتركون أشغالهم ليتفرّغوا لانتظار دورهم، والذي قد لا يأتي بسبب كثرة الناس قياسا لعدد الجرات المتاحة، فيبدأ عراك يبدأ بالكلام وقد ينتهي بالأيدي، أو بتدخّل عناصر الحواجز المحيطة بالحي، وقد يتطلّب الحصول على جرّة غاز بالإضافة إلى الانتظار تقديم الدفاتر العائليّة والهويات الشخصيّة واستدعاء للمراكز الأمنيّة في حال لم تكن العائلة تسكن في الأصل في ذلك الحيّ أو تثبت عقد ملكيّتها أو إيجارها»

ونتيجة لذلك امتدت الأزمة لتشمل المطاعم ومحال بيع المأكولات، فقد لمس الناس تغيّر أسعارها وارتفاعها بشكل يومي، ويتحدث سامر عن ذلك موضحًا «أمتلك فرنًا لبيع المعجّنات وبعد الانتظار الطويل تمكّنت من شراء المازوت لكنّ الصدمة كانت أنّ سعره كما يباع تجاريّا مضاعف عن سعره الأصليّ وبالتالي كان من الطبيعي رفع سعر المنتجات، فخزان واحد مؤلف من 1000 ليتر كلفني مبلغ 17000 ل.س».

ولأنّ الوقود يتصّل بكلّ مفاصل الحياة اليوميّة فقد طالت آثاره الناس جميعًا، سواءً كان ذلك في أزمة التدفئة أو التجارة، وحتّى الطرق والمواصلات. محمّد (طبيب) يتحدّث عن ذلك «منذ زمن أُغلقت كل منافذ الحيّ باستثناء واحد للدخول وآخر للخروج لتسهيل عمل الحواجز من تفتيش للسيارات وتفييش أو اعتقال للمواطنين المارين، ويتسبّب هذا أحيانًا بازدحام لطوابير السيّارات، لكنّه الآن أصبح أمرًا كارثيًا مع اصطفاف السيّارات بشكل يوميّ للحصول على البنزين في المحطات، في أزمة مرورية تمتدّ طويلًا لكّل من يحاول التحرّك، ممّا يؤدي إلى تأخري عن كثير من العمليات الجراحيّة العاجلة دون أيّ بارقة أمل لحل هذه الأزمة».

الأزمة طالت معظم المهام المنزليّة، من طهو وتدفئة، ما دفع الناس إلى استخدام الكهرباء وزاد من سوء واقعها، كما يؤكد أحمد، وهو مهندس في مؤسسة الكهرباء، «واقع الكهرباء سيّء ومع الشتاء ازداد ذلك كثيرًا بسبب الاعتماد عليها في التدفئة، فكلّ يوم هنالك عطل كبير في منطقة ما في المدينة قد يستغرق إصلاحه من ساعات إلى أيّام متواصلة، عدا عن سرقة الكثيرين لأسلاك الكهرباء وتمديد خطوط للمنازل بشكل غير نظامي».

وتكيفًا مع واقع غياب الكهرباء يكاد لا يخلو اليوم شارع من ضجيج مولدات الكهرباء، ولا يخلو بيت أو متجر في المدينة من أضواء «ليد» الموصولة ببطاريات، والتي أراحت عناء الكثير من التلاميذ والطلبة من الظلام وأضواء الشموع الخافتة، وعن ذلك تقول ديمة ساخرة، وهي طالبة في الثانوية، «لا أعرف من اخترع ضوء الليد لكننا مدينون له كطلاب باستمراريّة تمكننا إلى اليوم من الرؤية والقراءة».

كُتبت كتقرير صحفيّ لجريدة عنب بلدي العدد 147

الكرسي الك والتابوت النابعد أربع سنوات من خروجالشعب السوري مطالبين سلطة بلادنا بظروف أكثر إنسانيّة وأكثر حريّة، قوبلنا بردّ وحشيّ دُمرّت فيه البلاد وقُتّلت الناس وشرّدت، وجيء بالإرهابيين ليقطعوا الرؤوس ويعلقونها كالإشارات الضوئية.

 

بعد كل ذلك، فهم بعض مؤيدي الأسد القصّة وخصوصًا العلويين، الذين حموه بكل وسيلة ممكنة ظنًّا منهم أنّه يحميهم من إخوانهم السوريين.

ولكن الحقيقة كُشفت بعد هذه الأعوام، أنهم هم من يحمونه وعائلته -حرامية البلد- من العدالة والقصاص.

ربما قد تأخّروا كثيرًا في ذلك، فبعد أن بذلوا أبنائهم فداءً للأسد ومخلوف، وأعملوا الخطف والتعذيب والقتل بالشعب السوري، تنبهوا اليوم إنها –ما خلصت- وأنّهم دخلوا في دوامة لا خروج منها، فصرخوا في وجه السلطة الظالمة والتي زجّت طائفتها في بحر من الدماء والثأر.

هذه الصرخة كانت بعد أن مسّهم الظلم كما مسّنا، بعد أن يقتل ابنه أو أخوه أو أبوه أو صديقه، يفكّر ويقول، لماذا مات، هل حقًّا فداءً لتراب الوطن، أم فداءً لأوتاد العرش الملكي لعائلتي الأسد ومخلوف، وزعماء العصابات التي نهبت سوريّا منذ 60 عامًا وما زالت.

أقتبس أقوال مؤيدي الأسد من صفحة #وينن وهي حملة اجتماعيّة أطلقها مضر حسّان خضور، وذلك بعد أن تركت سلطة الأسد جنودها في مطار الطبقة بالرقّة يلقون حتفهم مقطّعي الرؤوس على يد “داعش” وكان أخوه من بين هؤلاء الجنود، وما زاد أهل الجنود غضبًا أن السلطة الحاكمة أخرجت كبار الضبّاط وأهم الأسلحة من المطار فقط.

“يسحب الدواعش جنودنا كالكلاب وقيادتنا تنعم بفتح المراكز الترفيهية، بعد أن أنقذوا الضباط الإيرانيين و الروس، أما نحن هل سنبقى فداء للكرسي والنهب.. اصحوا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“نظامنا قذر وفاشل دمر البلد حرق الشجر والبشر، وهو من مهد لظهور داعش، ومكّن الإيراني والروسي، أما نحن فمعروفون بشعار الأسد أو نحرق البلد، و الأسد وحاشيته لا يبحثون إلا عن الكرسي والنهب و أولادنا للذبح”

أحمد الأحمد”: أولاد الناس ليسوا دمى وليسوا للبيع والذبح، القائد الذي لا يستطيع حماية أبنائنا عليه التنحي كائنا من كان، كفانا محسوبيات وخيانة، هناك أسلحة فتاكة تستطيع إزالة الرقة عن الوجود، وأنا خدمت في ذاك الصنف من السلاح، لكن الخيانة موجودة منذ بدء التكوين، أنا أول الناس ممن قلت لأبنائي عودوا من جبهات القتال، كما قلت لأزواج بناتي أيضا: من أجل من سنموت، من أجل أن نسترد الرقة؟ كفى دماء وذبح ونفاق وخيانة ومزوادات، أعلم أن هناك الكثير سيتفاجئ بمقالي هذا…”.

“لن نقول إلى متى بعد الآن …
لم تسمعوا نداءنا ولا دعواتنا بسحب أبنائنا من مطار دير الزور، سيطربكم ما سيكون!! ، شهدنا ماذا فعلتم بهم في مطار الطبقة، وكيف قدمتموهم قرابين لكرسيكم المخنوق ،ولرسم لا يليق بسورية التاريخ سورية المجد والحضارة ، دماؤنا ليست بهذا الرخص ولأجل من؟، لأجل من سيربك مستقبل أطفالنا !”

“سؤال بانتظار جواب من 4 سنين..خلصت؟ لا لسّة بكير. لسّة ما بلشت..النصر إلّي وعدتنا فيه القيادة صار مكلفاً أكثر من 300 ألف شهيد، وآلاف الأسرى والمعتقلين والمجهول مصيرهم، ولا في أيّا مفاوضات كرمالهم، أما لو كان ضابط روسي أو إيراني كان اتدخل كرمالو أكبر القيادات وطالعوه”

كما وصف أهالي جنود وضباط من جيش النظام السوري، قنوات النظام الإعلامية بأنّها “الشريك الحقيقي” في ذبح أبنائهم. كما وصفوا المسؤولين عن تلك القنوات بـ”الحشاشين ومتعاطي المخدرات”.

يُشار إلى أنّ مضر خضور –مطلق حملة #وينن- اعتقلته المخابرات الجويّة من منزله بعد أن رفض أن يذهب للفرع، وهو ما زاد سخط مؤيدي الأسد ومتابعي الحملة ووحدَّ كلمة المعارضين والموالين على أنّ السلطة لا تعرف إلى الاضطهاد والقهر وسحق كل أشكال الحريّة وأبسطها –التعبير عن الرأي-.

وعبّر مؤيدون عن احتجاجهم على طريقة تعامل الأمن السوري مع ما يحدث، وطالبوا بإسقاط “المخابرات الجويّة”. يقول أحدهم “أرانب ع الجبهات وكلاب ع الشعب. تسقط الجوية”. وقال آخر: “تروح الجوية تتمرجل على (داعش) مو على الأدمن المدني”.

 

أخيرًا أقول، أنّه ممكن أن يتّحد كل الشعب السوري في وجه الظلم المسلّط عليه سواءً من الأسد أو داعش ومن شابهم من المجرمين واللصوص، ولكن هل نعقل؟

بخاطرك سيدي خالدالجميع.. الجميع بلا استثناء يبكي حزنًا على فراق… فقط!

لماذا كل هذا التشاؤم!

لم يخرج أحد من #حمص إلا وبكى على فراق روحها ورائحتها.. هذا مفهوم جدًا.

ولكن لماذا نرى الأمر من زاوية الهزيمة والسقوط!!

في آخر 3 أسابيع استشهد لي ثلاثة أصدقاء مقربين لي معهم ذكريات كثيرة، وأصيب اثنان بجروح.

لم أستطع تحمّل الأمر ومنذ ذلك الوقت وأحسست أن في نفسي شيء تبدّل.. لم أعد كما كنت!

ببساطة عندما تستيقظ يومًا وتجد أن ذاكرتك مُسحَت.. هل ستبقى ما كنت عليه قبل ذلك!

كنت أخاطب أصدقائي في #حمص_القديمة منذ شهرين تقريبًا.. وأخبروني باحتمال خروجهم إلى الريف الشمالي، ولكنّ أغلب الثوار الشباب كانوا

رافضين للفكرة.. فكان رأيي أنْ يخرجوا مباشرة.. فهم في الحصار لا يجدون ما يأكلون لأيام، وربما تيسّرت لهم بعض القطط أوالسلاحف أوالضفادع وإنْ لم يجدوا كانت

حشائش الأرض مناسبة لتوهم نَفْسَ الإنسان بأنّ هناك شيئًا يدخل معدته!

بالطبع تفهمت فكرة عدم قبولهم بفكرة الخروج “مهزومين” من مدينتهم الغالية التي دفعوا من أجلها الغالي والنفيس أعمارهم وأرواحهم وكل ما يملكون.

ثم أتى تفجير السيارة التي أودت بحياة 40 شابًا جميلًا من حمص القديمة بينهم اثنان من أعزّ أصدقائي، وهم كلّهم جميعهم أخوة في الله والكفاح في سبيل تحرير أرضنا العزيزة.

أثارت تلك الحادثة ردّ فعلٍ عند شباب المدينة المحاصرة لمراجعة أنفسهم مرة ثانية والتفكّر في إيجابيّات وسلبيّات بقائهم.

الفكرة التي يجب أن ننتبه لها جميعًا: هي أن الشباب دفعوا أرواحهم من أجل تلك الأرض، وهذه الأرواح محدودة بعدد ما، وهو يتناقص مع الأيام دون جدوى أن تأثير على النظام، بل على العكس هو سعيد بذلك؛ لأنّ شباب العديّة لا يصبحون في العشرينات والثلاثينات بين ليلة وضحاها. وكما قال شيخ في أول الثورة ناصحًا إيّانا: “انتبهوا على أنفسكم يا شباب، فنحن لا نأتي بكم من الحاوية!”

النفس غالية جدًا، وليس هناك بديل لشاب ثائر يذهب دون أن يصنع شيئًا مؤثرًا… بقائهم كان يتسبّب لشبابنا بالأذى فقط، ولا يعود عليهم إلا بالموت.

الأفضل هو ما حصل، أن يخرجوا منها سالمين واعدين مدينتهم أن يعودوا لها محرّرين فاتحين، وأن يعملوا أينما كانوا من أجل إعادة البسمة والفرح إلى قلوب كل الحماصنة وكل من يحب حمص.

وبما أن الجميع اليوم خارجها، فعلينا جميعًا مسؤولية تحريرها والعمل من أجل إعادة إعمارها بأيدينا.

الساروت ورفاقه أبطال أيقونات مضيئة للثورة دائمًا، الحزن على حزنكم فقط يا شباب، سامحونا.

الحمد لله على سلامة شبابك يا حمص..

كما خرج أبطالكِ يوم الأربعاء “مكسورين” الخاطر، سيعدون لكِ منتصرين في ذات اليوم.